الغزو الفكري









الغزو الفكري هو غزو غير مسلح غزو للأفكار والعقول، بعد أن أدرك الأعداء أن الغزو المسلح لا يكفي لإضعاف الثقافة الإسلامية، فعمدوا إلى غزو العقول والأفكار لتحقيق هدف عام وهو إضعاف الإسلام والمسلمين.

أهم وسائل الغزو الفكري:

- الإعلام: استغل الغربيون والمستغربون وسائل الإعلام المختلفة لحرب الإسلام, حيث أصبح المدافع عن أرضه وبلده إرهابيًّا والمحتل مدافع عن نفسه، ونظرة سريعة إلى بعض وسائل الإعلام ترينا مدى البلاء الذي تصبه ليل نهار لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والإساءة إلى معتقداتنا وشعائرنا وسلفنا وعلمائنا, سيل من الشبهات التي تشكك في الدين وأحكامه, وسيل آخر من الأفلام والتمثيليات والمسرحيات التي تتهكم بالإسلام, وتقوم بعرض نماذج من أنماط الحياة تضاد الإسلام في كل شيء, تمجد الجريمة, وتدعو إلى الفسق والفجور, وتنفر من الحياة المستقيمة الفاضلة, وتتهكم بالمسلمين والمسلمات, وتتخذ الدين هزوًا, وتعرض ما حرَّم الله: الرقص الفاضح, وشرب الخمر, والكذب والدجل, وقد أقامت للتافهين أسواق ضخمة في كل مكان باسم الفن.
وقد ازداد خطر هذه الوسيلة مع انتشار الفضائيات، وتنامي الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) حيث نجد المواقع التي تثير الشبهات، وتشكك في العقائد، وتنشر المذاهب الباطلة.

- الاستشراق: وهو دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه خاصة الإسلام لأهداف مختلفة ومن أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين.
ومن أهم نتاج المستشرقين في القرن العشرين دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت بثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية وصدرت في عدة طبعات وترجمت إلى عدة لغات وقد اشترك في تأليفها أكثر من 400 مستشرق وبلغت أكثر من 3000 مادة في أكثر من 10.000 صفحة احتوت على معلومات مهمة عن الشرق والإسلام بالذات، كما أنها اشتملت على شبه ومطاعن متفرقة حول القرآن والعقيدة والشريعة الإسلامية وأعلام المسلمين بلغت أكثر من (300) مطعن وانتقاص للعقيدة الإسلامية
وقد مُلِئَت كتابات المستشرقين بالتعصب الصليبي باعتراف كثير من المستشرقين، يقول برنارد لويس: "لا تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات العديد من العلماء المعاصرين ومستترة في الغالب وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية.

- التنصير: وعلى الرغم من أن الأمم النصرانية تبتعد عن النصرانية, وعلى الرغم من بيعهم للكنائس في ديارهم, إلا أنهم حريصون على تنصير المسلمين، وبناء الكنائس في ديارنا.

وقد رصدوا لذلك مئات الملايين من الدولارات, وأرسلوا البعثات التنصيرية مجهزة بكل ما يمكن أن يحقق الهدف الذي قامت من أجله، وعلى الرغم من الصعاب التي تقف في طريقهم، إلا أنهم ماضون في هذا الطريق، وهم يصطادون المسلمين الجهلة, وينشبون أنيابهم في فقراء المسلمين؛ حيث يقدمون لهم بعض ما يحتاجون إليه مقابل تركهم لدينهم وعقيدتهم ، بينما نجد العكس فيمن يسلم من الغربيين، حيث يسلم المتعلمون والمفكرون.
وأهم وسائل التنصير: التعليم والصحة والإعلام واستغلال الكوارث والحروب والفقر.
- تشجيع العلمانية في البلاد الإسلامية وذلك بإقصاء الإسلام من شتى شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
- محاربة الدعوة الإسلامية: حيث استغل الأعداء أحداث الاعتداء على نيويورك وغيرها لمحاربة الدعوة الإسلامية لا سيما الجمعيات الخيرية الإسلامية والزج بها في تلك الأحداث واتهامها بدعم الإرهاب ومصادرة ممتلكاتها.
- التغريب والعولمة الثقافية: وهي باختصار فرض الثقافة الغربية عن طريق المنظمات والمؤتمرات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة.
وإن كان للعولمة - بشكل عام - وجوه مفيدة في التقنية والاتصال، والتعارف والمعلومات؛ فإن لها جوانب خطيرة في الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
ويهمنا هنا ما يؤثر على الثقافة الإسلامية بدرجة كبيرة وهو الهيمنة الثقافية وفرض القيم الغربية وتغريب المجتمعات المسلمة عن طريق استغلال التفوق التقني والسياسي والاقتصادي والعسكري لاختراق الثقافات الأخرى ومصادرة ثقافات الشعوب وفرض الأنماط الغربية.
ونجد أن الغرب لا يسعى لنشر قيمه الاجتماعية فحسب على الرغم من عدم الاقتناع الواسع بها قيماً، بل إنه يفرضها عبر المؤتمرات الدولية والضغط على الدول التي لا تستجيب، حيث توالت مؤتمرات المنظمات الدولية بهذا الخصوص، مثل مؤتمر نيروبي عام 1985م، مؤتمر القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول عام 1996م، ثم مؤتمر نيويورك عام 1999م، ثم مؤتمر بكين، ثم نيويورك أيضاً عام 2000م وغيرها .
ومحور هذه المؤتمرات يدور حول الأسرة والمرأة والطفل، مركزاً على الحقوق الجنسية، والحق في الإنجاب والإجهاض، والشذوذ، وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث .. إلخ، وكل هذا من منظور الثقافة الغربية العلمانية المادية الإباحية التي تبيح الزنى واللواط وتمنع تعدد الزوجات.
وفي الفصل السابع من وثيقة مؤتمر السكان جاء الحديث عن هذه الإباحية الجنسية، فيقول: إنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، المنطوية على أن يكون الأفراد (لاحظ تعبير الأفراد) من جميع الأعمار أزواجاً وأفراداً (كذا) فتياناً وفتيات، مراهقين ومراهقات، قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية) هي كالغذاء، حق للجميع، ينبغي أن تسعى جميع البلدان لتوفيره في أسرع وقت ممكن، في موعد لا يتجاوز عام 2015م.

آثار التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية:

- تشويه الإسلام وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم والسنة النبوية وعقيدة الإسلام وشريعته، وما يحدث الآن من محاولة لربط الإسلام بالإرهاب هو جزء من هذه الحملة.
- تفريق المسلمين وإزالة الوحدة الإسلامية والدعوة إلى القوميات المتنوعة، وقد كانت الرابطة التي تجمع الشعوب الإسلامية هي الرابطة الإسلامية, فشجع الغرب الصليبي الشعوب المختلفة على المناداة بالقوميات التي تنتسب إليها الأمم المختلفة, فنادى العرب بالقومية العربية, والأتراك بالتركية الطورانية, ونادى الأكراد بالكردية, وبذلك تفسخت عرا الرابطة الواحدة التي كانت تجمع هذه الأمة وتوحدها, وقد كان ظهور هذه الدعوات سببًا في إضعاف الخلافة التركية العثمانية وتحطمها.
وقد أغرق دعاة الضلال في دعوتهم عندما أحيوا الحضارات القديمة لإيجاد مزيد من الانقسام والفرقة, فرأينا الدعوة إلى الفرعونية, والدعوة إلى البابلية, والآشورية.. وغيرها
إن الإسلام يشجع الوطنية الحقة والقومية الهادفة القائمة على التعاون على البر والتقوى كما قال سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ويحارب العصبيات والنعرات الجاهلية المنافية للوحدة الإسلامية، وقد قال –صلى الله عليه وسلم -: (من قتل تحت راية عمية، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية)[مسلم]
إن أي وطنية وقومية يجب ألا تتعارض مع الوحدة الإسلامية أو تكون بديلاً عنها، بل يجب أن تسخر لجمع كلمة المسلمين ووحدتهم، والعرب لم يجتمعوا إلا بالإسلام، وقد أعزهم الله بإنزال القرآن الكريم بلغتهم وقد قال عمر رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)
إن الرابطة الحقيقية بين المسلمين هي رابطة العقيدة وجميع الروابط الأخرى هي فرع منها مثل رابط الجوار والقرابة والقبيلة والوطن.
- الجهل بالإسلام وعقائده وأحكامه في كثير من بلاد الإسلام وانتشار البدع والخرافات والمذاهب الباطلة كالقاديانية والبهائية وانتشار الأفكار العلمانية المتطرفة والتكفيرية الغالية.
- الهزيمة النفسية لدى بعض المسلمين واهتزاز الثوابت لديهم ونشوء طبقة من المثقفين المستغربين المنبهرين بالغرب وثقافاته.
- إضعاف اللغة العربية وانتشار اللهجات المحلية التي اختارها الله لكتابه كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}
- إقصاء شريعة الإسلام من الحكم وتشجيع العلمانية في البلاد الإسلامية وهذا الأثر بذل الكفار في سبيل تحقيقه الكثير من الجهد والمال والفكر, وقد أقنعوا به كثيرًا من الحكام في الديار الإسلامية.
- إفساد التعليم وإضعاف التعليم الإسلامي ومدارس القرآن الكريم والمناداة بعلمنة التعليم والدعوة إلى التعليم المختلط.
- إفساد المرأة: لقد حرص الغربيون على هذا, لأن فسادها يفسد الأبناء والأزواج, وهتكوا حجابها, وزينوا لها التمرد على دينها بمختلف الأساليب, وزعموا أن تحضرها وتقدمها لا يكون إلا إذا سارت مسيرة المرأة في أوروبا .
وختاماً نذكر بقول ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}